الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي نببنا محمد وعلى آله وصبحه أجميع أما بعد: فمنذ مدة لا بأس بها, أصبح الطعن بأئمة الإسلام ديدن العلمانيين والحداثيين والمتأثرون بهم. وعلى رأس هؤلاء الأئمة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.
ولم يكن طعنهم بالإمام الشافعي رحمه الله عبثا, بل هو مقصود ومدروس, وسنبين لماذا الإمام الشافعي رحمه الله محل طعنهم وحقدهم.
أولاً الفرق بين العلمانيتين:
رغم أن العلمانية العربية كانت تقليدا واتباعا للعلمانية الغربية. إلا أن بينهما فروقا ومن أهمها:
أختلاف الدينين:
العلمانية الغربية كانت محقةً في ثورتها على المسيحية لأنه دين قاصر عن مواكبة الحياة ومليء بالخرافات ومعادٍ للعلم والعلماء وكانت الكنيسة فاسدة وظالمة مما جعل الشعب يثور عليها.
أمّا الإسلام فعقائده تنسجم مع الفطرة والعلم والعقل. وأحكامه شاملة لكل نواحي الحياة.
فنقل العلمانية للمجتمع الإسلامي ظلم كبير وجهل مقيت.
اختلاف المقاصد
علمانيو الغرب أبعدوا الدين عن الحياة ولم يحاربوا تعاليمه ولم يؤذوا رجال الدين, بل تصالحت الكنيسة مع العلمانيين مؤخراً.
بينما علمانيوا العرب شوهوا تعاليم الإسلام وحاربوه ونكلوا بأهله. وحاربوا الحجاب والتدين الخاص. وحين وصلوا للحكم استبدوا وظلموا العلماء والمسلمين.
قوة الدفع في الإسلام:
لم تصمد المسيحية امام العلمانية خلاف الإسلام فقد فشلت مخططاتهم في تشويه الإسلام وقتل فكرة حاكميته عن أبنائه لأن بنية الإسلام علمية قائمة على الوحي الذي هو من عند الله فأنا لهم تعكير صفوه.
ثانيا: جوهر الصراع:
بعد أن ادركت العلمانية أن الإسلام دين علمي محكم البنيان سعت لتشّكيك في الوحي لكنها لم تلق رواجاً. فانتقلت للتشكيك بمنهج المسلمين في التعامل مع النص وللنيل من علماء المسلمين ورموزهم الذين أسسوا لهذه المناهج, ولقد استطاعوا بذلك خداع بعض الشباب بل وبعض الدارسين للعلوم الشرعية للأسف.
ومنهج التعامل مع النص يقوم على ركيزتين وهما الثبوت والفهم.
مرحلة الثبوت:
والثبوت هو مرحلة التحقق من صحة ورود النص ونسبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
وبما أن القرآن ثابت فكان التحقق خاصا بالسنة النبوية عن طريق منهج رصين وهو الإسناد , وهو من مفاخر هذه الأمة ومن نعم الله عليها.
وقال أبو بكرمحمد بن أحمد: ” بلغني أن الله، خص هذه الأمة بثلاثة أشياء، لم يعطها من قبلها الإسناد والأنساب والإعراب”. فلولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
مرحلة الفهم:
وهي المرحلة الأهم, فإن معظم الأفكار المنحرفة دخلت من باب فهم النصوص .
وقد ادرك علماؤنا خطورة ذلك فوضعوا قواعد للفهم وهي أصول الفقه.
فقد علم العلمانيون أنهم لن يستطيعوا تهديم علم الحديث وعلم الأصول
فانطلقوا إلى تشويه علمائهما وتهديم قدسية النص عن الجيل لكي يصبح هائما على وجهه بلا هدى ولا نور.
فألبسوا ذلك شعارات براقة والتي هي مجرد قناعة يخفي أهدافهم في تشويه رموز الأمة.
ثالثا: لماذا الإمام الشافعي رحمه الله؟
لقد خصص العلمانيون الإمام الشافعي رحمه الله بالهجوم لأنه من وضع أصول الفقه
الذي كان منهجا عند كل أهل العلم بدءًا من الصحابة إلى من بعدهم.
فقد كتب كتاب الرسالة والتي كانت, “حدثاً جديداً, أدخل تفسير النصوص والأحكام من الكتاب والسنة في طور علمي محدد القواعد, منضبط الموازين, وحسبها أنها فتحت الآفاق ومهدت السبيل, حتى جاء الكاتبون بعد الشافعي فتابعوا الطريق”.
لذلك انبرى الكثير من العلمانيين للدعوة لتأسيس أصول فقه جديدة والتمرد على الرسالة وما تابعها.
ولقد أنهال العلمانيون والحداثيون على الشافعي بأوصاف مشينة بأنه سجن العقل الإسلامي وحرَّف في الإسلام
ويتهمونه بالتناقض والتضليل وغيرها من الأوصاف.
فالقضية ليست نقد علمياً بل هي حقد وعداء للدين يريد نسف مبادئه وأسسه.
ومن أسباب تركيز العلمانيين على نقد الإمام الشافعي رحمه الله سببين:
عربية القرآن
لقد ركز الإمام الشافعي رحمه الله تعالى على عربية القرآن في كتابه الرسالة.
ولقد قال في كتابه الرسالة: (“وإنما بدأت بما وصفتُ, من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره: لأنه لا يعلم من إيضاح جُمل القرآن أحد جهل سعة لسان العرب, وكثرة وجوهه, وجماع معانيه, وتفرقها, ومن عَلِمَه انتفت عنه الشُّبَه التي دخلت على من جهل لسانها”).
أنا الحداثيون فيريدون أن يطلقوا لعقولهم حرية التفسير والتأويل دون التقيد بقواعد اللغة العربية, تحت ما سموه القراءة المعاصرة.
السنة المؤسسة:
ولا يخفى جهود الحداثيين للتشكيك بالسنة, تارة بأنها لم تدون وبالتالي دخلها الكثير من الشك,
وتارة بأنها ليست مؤسسة بل بيانية للقرآن, وتارة بنسف منهج أهل الحديث واختراع منهج يقوم على موافقتها للعقل,
وكل هذا نسفه الإمام الشافعي رحمه الله بأسلوب علمي رصين.
وقال الإمام الشافعي في كتابه الرسالة: “والوجه الثالث: ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس فيه نص كتاب”
ثم قال ” ثم وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما قال, إن كان موافقا لنص الكتاب أو مبيناً لمجمله أو مؤسساً لشرع جديد.”
هذا المقال تلخيص لمقال مفصل لمن اراد الإطلاع عليه يمكنكم تحميله من هنا