الجغرافيا هي العلم الذي يدرس الأرض وظواهرها الطبيعية والبشرية ويعود أصل كلمة الجغرافيا إلى اللغة الإغريقية وتعني وصف الأرض.
تشير الجغرافيا إلى تضاريس الأرض ومناخها والبشر عليها وأعمالهم وعلى هذا الأساس فهي وصف الأرض وكانت كذلك في بدايتها حيث قام الرحالة بوصف وتسجيل مشاهداتهم عن البلاد والأقاليم التي زاروها ولفظ الجغرافيا في اللغة العربية لفظ حديث بعض الشيء لأن العرب والمسلمون كانوا يستعملون صورة الأرض أو خريطة العالم والأقاليم أو حتى المسالك والممالك أو تقويم البلدان أو علم الطرق أو قطع الأرض.
وقد اتفق على تقسيم الجغرافيا عبر العصور إلى أقسام هي :
- الجغرافيا الطبيعية : وهي التي تدرس طبيعة الأرض من حيث بنيتها الجيولوجية والنبات والحيوان الطبيعي أو البري و الظواهر الجوية ومنها أيضا الجغرافيا الفلكية التي تدرس شكل الأرض وحجمها وكرويتها وحركتها وعلاقتها بالكواكب الأخرى.
- الجغرافيا البشرية : حيث تنقسم إلى :
1.الجغرافيا الإقتصادية
2.جغرافيا السكان
3.الجغرافيا السياسية : حيث تدرس أقطار الأرض وحدودها السياسية و سكانها ومشكلاتها - الخرائط : وهي علم يهتم بالخرائط وطرق إنشائها
- نظم المعلومات الجغرافية والإستشعار عن بعد
إذا فالجغرافيا علم يدرس الإختلافات المكانية والظواهر البشرية والطبيعية على سطح الأرض وذلك ليسهل أمور الحياة اليومية والعمليات الهندسية والتخطيطية والإنشائية والإقتصادية والنقل والخدمات لهذا السبب ترتبط الجغرافيا مكانيا بجميع العلوم الموجودة على سطح الكوكب الأرضي وذلك لندرة وجود علم لا يرتبط بالحيز المكاني الجغرافي
فالعلماء لا يمكن لهم أن يناقشوا علم معلق في الهواء وإنما جميع العلوم والنظريات الحيوية والفيزيائية وخصائص الإنتاج الإقتصادي وأمراض الإنسان واستخراج وتوزيع الثروات وسلوك المجتمعات وعلوم السياسة والحروب والتخطيط الهندسي والمعماري والحدود السياسية والإدارية جميعها علوم ومواضيع ترتبط بسطح الأرض ولها حيز مكاني جغرافي تقوم عليه لذلك تعتبر الجغرافيا مصب لجميع العلوم الأخرى فتسهم في إعادة تطويرها وتشكيلها وإضفاء الطابع الجغرافي عليها.
فمنذ بدء وجود الإنسان في هذا الكون وجدت معه الجغرافيا فهو علم ملازم للإنسان في كافة أمور حياته اليومية ولم يتطور علم الجغرافيا بمختلف فروعه ومعارفه إلا بسبب تغير حاجات الإنسان المستمرة وتطور مستويات حياته وفضوله لإستكشاف مكونات هذه الأرض ووصف ظواهرها الجغرافية سواء أكانت طبيعية كالكوارث الطبيعية والتقسيمات الجيولوجية وتوزع شبكات المياه وفهم تضاريس الأرض أو بشرية كالهجرات والمواليد والوفيات وسلوك الإنسان وعلاقته بعلم الجغرافيا وكذلك تطور العمران البشري وأنماط البناء وفقا لتغير الظروف الجغرافية.
بدء علم الجغرافيا كعلم موسوعي تم استخدامه في وصف المشاهدات اليومية والظواهر والمسالك والممالك وما يوجد حول الإنسان وصفا نظريا
لذلك قالوا أن الجغرافي لا يمكن أن يكون جغرافيا إذا لم يكن رحالا ومغامرا ومستكشفا وقادرا على وصف الأشياء والظواهر من حوله .
ولقد ظهرت حركة مهمة جدا وهي نقطة تحول في تاريخ الجغرافية هي مرحلة الكشوفات الجغرافية في القرن الخامس عشر الميلادي ورغم أن هذه الكشوفات كلها كانت استعمارية إلا أنها ساعدت كثيرا في تطوير علم الجغرافية.
حيث طورت معها أساليب الملاحة البحرية وإعداد ورسم الخرائط عن دول العالم الجديدة المكتشفة واستخدام البوصلة ودراسة مناخ تلك الأراضي الجديدة وأساليب تطويرها وإمكانية العيش فيها.
هذه الفترة تزامنت معها المشاكل بين الدول حول المستعمرات الجديدة فبدأت الحاجة للإهتمام بدراسة وتطوير الحدود وترسيمها سواء بين المستعمرات الجديدة أو بين الدول ذاتها فمثلا وصول البرتغاليين والإسبان إلى الأمريكيتين أدى لاكتشاف جغرافية هذه المناطق ودراستها ومع مرور الوقت تطورت العلوم السياسية ودراسة الأجناس البشرية
وفي نهايات القرن التاسع عشر زاد الإهتمام بهذا العلم وذلك لدوره الكبير في تكوين وتطوير عدد من العلوم الأخرى حيث تم إنشاء الجمعيات الجغرافية في عدة دول.
وفي ثلاثينيات القرن الماضي أصبح هناك قسم للجغرافيا في معظم جامعات وكليات بريطانيا وبعدها انتشرت إلى كافة دول العالم فدخولها في الأقسام الأكاديمية اختلف معها توجه الجغرافيين حيث أصبحوا ذوي ميل ونزعة لخدمة النواحي الأكاديمية وتطوير منهاج البحث وأساليبها وكذلك تم التعاون مع مختلف العلوم الأخرى كعلم النفس والإجتماع وعلم الإقتصاد وعلم التاريخ والسياسة وعلوم الأرض وعلوم الطقس والمناخ.
وفي القرن العشرين ظهرت الحروب بين الدول والتي استفادت منها الجغرافيا وخاصة من النظريات السياسية حيث قامت بمد السياسيين بالمعارف التي تعينهم على معرفة نقاط ضعف وقوة العدو الإنتصار عليه حتى أنها اتهمت بأنها السبب الرئيسي لقيام بعض الحروب ولهذا ظهر ما سمي بجغرافيا الحروب.
ولأن الدول وجدت نفسها مضطرة لإعادة تعمير ما خربته الحروب فظهرت ما يسمى بالجغرافيا التخطيطية في الصناعة والزراعة وفهم خصائص الإقليم والأرض وثرواتها الطبيعية والبشرية فكانت للجغرافيا مشاركة مع هذه الدول في وضع الخطط والإستراتيجيات جنبا إلى جنب مع علوم الإقتصاد والإجتماع والسياسة.
أما في ستينيات القرن الماضي حيث ظهرت الثورة الكمية في الجغرافيا وشهدت تطوير منهجيات الكم في التحليل المكاني حيث احتوت على مقاربات من علوم الرياضيات والإحصاء وتزامنت معها الثورة المعلوماتية والتقنية حيث شهدت ظهور بعض التقنيات الحديثة في الجغرافيا كثورة نظم المعلومات الجغرافية وتبعها بعد ذلك تقنيات الإستشعار عن بعد.
بعد ذلك تطورت الجغرافية الحديثة بشكل كبير وبرزت الثورات الحديثة في الجغرافية كالسلوكية والمتداخلة مع علم الإجتماع والإقتصاد وواقع الإنسان المعيشي والتي تطرح الفكر لدى الإنسان وسلوكياته وعلاقته بالمكان والثورة النظرية وأساليب البحث الجغرافي.
بعد ذلك تطورت الجغرافية وناقشت قضايا الفكر والإدراك والتصورات الذهنية ثم ظهرت فروع عديدة أخرى في الجغرافية البشرية كجغرافية الطعام وجغرافية الأديان وجغرافية الخيال.
كما ظهر الجغرافي الإجتماعي والجغرافي الحضري والجغرافي الثقافي ولهذا أصبحت تضيف للمعرفة البشرية الكثير وأصبح بإمكان الجغرافيا مناقشة المشاكل الواقعة اليوم وفهمها كما يمكنها إيجاد حلول لها من ناحية جغرافية.
والسؤال : هل فقدت الجغرافية هويتها بين العلوم الأخرى والجواب بالطبع لا فرغم كل هذا التداخل الكبير إلا أن الجغرافية لم تفقد هويتها ولم يتمزق كيانها وإنما إستفادت الجغرافيا من تلك العلوم بما يعينها على تطوير أساليبها ونظرياتها ومناهجها دون أن تنصهر في تلك العلوم.
الأمر الذي ساعدها على إضافة التراكم المعرفي للعلوم الطبيعية والبشرية على حد سواء وينبغي علينا أن نفهم أن الشراكة بين العلوم لا تلغي واحدا على حساب الآخر بمعنى آخر أن تداخل الجغرافية مع العلوم الأخرى هو السمة الأبرز لهذا العلم وبشكل خاص التعاون والشراكة مع تلك العلوم.
وبهذا يكون قد أصبحت الجغرافية في الريادة سواء في العلوم الإنسانية أو الفكرية أو السلوكية أو حتى في الجانب العلمي حيث تطور النظريات وأساليب ومناهج البحث الجغرافي الكمي والنوعي والتقنيات الحديثة وفي الوقت الحالي فإن الجغرافية أصبح لها لمسة على كل العلوم الموجودة على سطح الأرض وبالتالي لا يوجد أي علم أو مجال أو تخصص لا يرتبط بالمكان لذلك فهو سيكون موضوع جغرافي بامتياز