الاتفاق بين المسلمين والأرمن:
وخاب أمل الأرمن في بيزنطية التي عجزت عن الدفاع عنهم وحمايتهم، واضطر القائد الأرميني تيودور الرشتوني، الذي تخلت بيزنطية عنه بسبب ميوله المذهبية المعادية، وموقفه السابق من القائد الإمبراطوري بروكوبيوس في معركة ساراكين؛ إلى إجراء مفاوضات منفردة مع المسلمين انتهت إلى التسوية التالية:
– يعترف المسلمون باستقلال الأقاليم الأرمينية.
– يعترف الأرمن بسيادة المسلمين عليهم بالشروط نفسها التي سبق للفرس أن مارسوا بها سيادتهم على أرمينية.
– يعين المسلمون حاكمًا أرمينيًا عامًا على أرمينية.
– يضع الأرمن فرقة عسكرية تعدادها خمسة عشر ألف جندي بتصرف المسلمين.
الواضح أن المعاهدة كانت مناسبة للأرمن من واقع وضعهم الحرج بعد إحجام بيزنطية عن مساعدتهم، في حين سببت لبيزنطية خيبة أمل كبيرة؛ لأن البيزنطيين كانوا يأملون في استمرار سخونة الجبهة الأرمينية، لتخفيف الضغط عن الجهات الأخرى مع المسلمين، كما أن الأرمن لم يكونوا راغبين في التضحية بأنفسهم من أجل إمبراطورية هرمة، أضحت عاجزة عن الدفاع عن حدودها، وولاياتها. ثم حدت أن تطورت العلاقات الإسلامية -الأرمينية نحو الأفضل، وأبدى الأرمن استعدادهم للتحالف مع المسلمين، وانفصالهم نهائيًا عن الدولة البيزنطية، مقابل منحهم نوعًا من الاستقلال المحلي، وجرت مفاوضات بين الطرفين من أجل ذلك أسفسرت عن اتفاق آخر يعد متممًا للاتفاق السابق، وتضمن البنود التالية:
– عدم فرض جزية على أرمينية لمدة سبع سنوات.
– يقدم الأرمن فدية خلال مدة الاتفاق التي تركت مفتوحة تتناسب مع قدرتهم الاقتصادية، وذلك ضمانًا لبقاء استقلالهم، وفعلًا دفعوا للدولة الإسلامية مبلغًا رمزيًا مقداره خمسمائة دينار.
– يقدم الأرمن قوة عسكرية قوامها خمسة عشر ألف مقاتل تساعد القوات الإسلامية في حروبها مع أعدائها باستثناء جبهة بلاد الشام.
– يعين المسلمون على بلاد الأرمن حاكمًا أرمينيًا.
– لا يأوي الأرمن عدوًا للمسلمين، ولا يساعدونه.
– يتعهد المسلمون بمساعدة الأرمن إذا تعرضوا لغزو بيزنطي.
موقف الامبراطورية البيزنطية من الاتفاق:
لم ترحب بيزنطية بهذا الاتفاق الذي سلخ أرمينية عن التبعية البيزنطية، لذلك قاد الإمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني في عام “34هـ/ 654م” جيشًا بيزنطيًا كثيفًا بلغ تعداده مائة ألف مقاتل، إلى الأراضي الأرمينية، بهدف إعادة البلاد إلى الحظيرة البيزنطية، ولما وصل إلى ترجان، تلقي إنذارًا إسلاميًا بعدم دخول الأراضي الأرمينية، لكن الإمبراطور لم يعر الإنذار التفاتة جدية، واستمر في زحفه حتى وصل إلى ثيودوبوليس “أرضروم”، وعسكر فيها واستقبل عددًا كبيرًا من الإقطاعيين، وحكام المناطق الأرمينية الذين ساءهم الانسلاخ عن البيزنطيين وتخلوا عما تعهدوا به لتيودور الرشتوني، وكذلك فعل البطريرك الذي تبرأ مما فعله القائد الأرميني المذكور.
تشجع الإمبراطور بهذا التغيير من جانب قادة الأرمن، فدخل الأراضي الأرمينية، وعزل تيودور الرشتوني، وعين هامازسب ماميكونيان مكانه، وراح يعمل على توحيد أرمينية تحت قيادته وسلطته.
انحسار النفوذ الإسلامي عن أرمينية:
وما أحرزه المسلمون من انتصار في معركة ذات الصواري، لم يترتب عليه نتائج مباشرة، وحاسمة في الصراع بينهم وبين البيزنطيين، بالإضافة إلى ما تعرضت له الدولة الإسلامية من مشكلات تفاقمت عقب مقتل الخليفة عثمان في عام “35هـ/ 656م”، مما دفع معاوية بن أبي سفيان إلى عقد صلح مع البيزنطيين في عام “38هـ/ 659م”، وقد تأثر وضع أرمينية بهذا الاتفاق من واقع استئناف الأسر الأرمينية الإقطاعية صلاتها بالبيزنطيين، وانحسار النفوذ الإسلامي عن هذه البلاد، وعودة النفوذ البيزنطي، وسحب معاوية القوات الإسلامية المرابطة في أرمينية، ليدعم موقفه في الصراع مع علي بن أبي طالب.
بواسطة: محمد أيمن هاروش