مكان المعركة:
وقعت معركة بلاط الشهداء أو كما تعرف عند الغربيين بمعركة بواتييه ، في الدولة الفرنسيّة، وتحديداً بين كلّ من مدينة بواتييه ومدينة تور، وجرت أحداثها في عام 732 م
سبب تسمية المعركة ببلاط الشهداء :
سُميت المعركة ببلاط الشهداء من أجل تخليد ذكرى الشهداء الأبطال في تلك المعركة؛ حيث جاء ذلك فيما كتبه ابن حيّان القرطبي ، ويُذكر بدوره بأنّ الأذان بقي يُسمع لعصور طويلة في موقع ومكان حدوث المعركة. وأما المؤرخون الغربيون فقد أطلقوا على المعركة اسم معركة تور، وهذه التسمية قد جاءت نسبة لمدينة (تور) الفرنسيّة.
معركة بلاط الشهداء:
كان عدد المسلمون 50 ألف بينما العدد الذي استطاع شارل مارتل وهو قائد الفرنجة جمعه من المحاربون والمرتزقة والهمج والفرنجة وأمراء وعامة وعبيد كان اربع مائة ألف واندلعت المعركة القاسية بين الجيشين واستمرت لمدة تسعة أيام لا غالب ولا مغلوب
حتى إذا كان اليوم العاشر، حمل المسلمون على الفرنج حتى كادوا أن ينتصروا إلاَّ أن فرقة من فرسان الفرنجة استطاعت أن تنفذ إلى معسكر الغنائم الذي هو في خلف الجيش الإسلامي، وهنا صاح المنادي ينادي على الغنائم، فقفلت فرقة من الفرسان في قلب الجيش الإسلامي الذي عاد إلى الخلف مدافعة عن الغنائم، فاهتزَّ قلب الجيش الإسلامي، ثم اهتزَّ وضع الجيش بأكمله مع هذه الحركة التي فاجأتهم، ولما كان عبد الرحمن الغافقي –رحمه الله- ينادي في الناس ويحاول تجميعهم من جديد حتى أصابه سهم أرداه من على ظهر فرسه شهيدًا، فصارت الطامَّة طامتان والمصيبة مصيبتان: ارتباك حركة الجيش، واستشهاد القائد العظيم والتابعي الجليل عبد الرحمن الغافقي رحمه الله تعالى .
بعد انقضاء اليوم العاشر انسحب المسلمون إلى الجنوب، وجاء اليوم الحادي عشر فنهض الفرنجة لمواصلة القتال، فلم يجدوا من المسلمين أحدًا، فتقدَّمُوا على حذر من مضارب المسلمين فإذا هي خالية، وقد فاضت بالغنائم والأسلاب والخيرات، فظنُّوا الأمر خدعة، وتريَّثُوا قبل أن يجتاحوا المعسكر وينتهبوا ما فيه، ولم يُفَكِّر أحد منهم في تتبُّع المسلمين؛ إما لأنهم خافوا أن يكون العرب قد نصبوا لهم بهذا الانسحاب شركًا، أو ربما لأن شارل مارتل اطمأن أنه يستطيع العودة إلى بلاده في الشمال مطمئنًّا إلى انصراف المسلمين عنها.
بالغت الروايات الأوربية كثيرًا في أعداد قتلى المسلمين فيها، فتذكر بعضها أن قتلى المسلمين في بلاط الشهداء بلغ خمسة وسبعين وثلاثمائة ألف مسلم، وهو بلا شَكٍّ رقم مبالغ فيه جدًّا؛ لأن جيش المسلمين في الأساس لم يَتَعَدَّ خمسين ألفًا، أو ثمانين في أقصى التقديرات.
قصة الغنائم:
رأي الدكتور عبد الرحمن الحجي
يرفض الدكتور عبد الرحمن الحجي في كتابه «التاريخ الأندلسي» قصة الغنائم هذه، ويسوق في الردِّ عليها جملة من الأمور هي: عدم ثبوت شيء متعلق بأن ثمة نزاعًا كان بين العرب والبربر لا من قبل المعركة ولا في الوقت الذي تلاها.
كذلك ما يبدو في قصة الغنيمة من أسطورية تجانب ما عُرف عن الأهداف العليا للفتح الإسلامي، ولما عُرف عن الفاتحين في فرنسا من الزهد في مثل هذه الأمور، كما أنه من الغريب أن يحمل الفاتحون غنائمهم وهم متوجهون إلى معركة يعرفون أنها حاسمة، ولو قُدِّر أن اجتمع لهم مثل هذا القدر الضخم من الغنائم -كما تصف الرواية الأوربية- لكانوا أودعوها مدنًا مفتوحة وما حملوها معهم.
لا سيما وقد أظهرت لنا طبيعة الفتوح في الأندلس اهتمام المسلمين بالخيل والسلاح تحديدًا لا بغير ذلك من الغنائم، كذلك تتناقض الرواية الأوربية حين تقول بأن الفرنج لم يكتشفوا حيلة المسلمين وانسحابهم إلاَّ في صبيحة اليوم التالي، وقد كانوا يتجهزون لقتال، ما يعني أنه لم تكن تبدو بوادر انتصار لهم ولا هزيمة للمسلمين، فضلاً عن أن تكون هزيمة ساحقة كما تمَّ تصويرها، بل الأرجح في هذه الحالة أن المسلمين انسحبوا بشكل تكتيكي طبيعي لَمَّا استشهد الغافقي، وهو قرار عسكري يُؤخذ بلا حرج حين تبدو صعوبة المعركة، ولا يعني في حدِّ ذاته هزيمة فادحة.
رأي الدكتور عبد الحليم عويس:
وأمَّا الدكتور عبد الحليم عويس فيبدو أنه ممن يميل إلى تفسير الغنائم كسبب للهزيمة؛ يقول: «قصة الغنيمة في تاريخنا غريبة، والدرس الذي تُلقيه علينا -كذلك- أغرب! لقد بدأت أولى هزائمنا بسبب الغنيمة، ولقد وقفنا مرغمين -عند آخر مدى وصلت إليه فتوحاتنا، بسبب الغنيمة- كذلك! فقصة الغنيمة.. هي قصة الهزيمة في تاريخنا. كان قائد المعركة الأولى هو الرسول r.. وخالف الرماةُ أمرَه، وخافوا من أن تضيع فرصتهم في الغنيمة.. فكانت أُحُد، وشهد الجبل العظيم استشهاد سبعين رجلاً من خِيرَة المسلمين.. بسبب الغنيمة.. نعم بسبب الغنيمة!
نهاية الفتوحات في فرنسا:
وكان قائد المعركة الأخيرة عبد الرحمن الغافقي آخر مسلم قاد جيشًا إسلاميًّا منظمًا لاجتياز جبال البرانس، ولفتح فرنسا، وللتوغُّل -بعد ذلك- في قلب أوربا. وهُزِمَ الغافقي.. سقط شهيدًا في ساحة معركة بلاط الشهداء إحدى المعارك الخالدة والفاصلة في التاريخ .. وتداعت أحلام المسلمين في فتح أوربا، وطَوَوا صفحتهم في هذا الطريق..
ومنذ أن تمَّ الاستقرار في المغرب العربي، و الأندلس، وهم يطمحون إلى اجتياز جبال البرانس وفَتْح ما وراءها، وكذلك أراد موسى بن نصير، لكن الخليفة الوليد بن عبد الملك خشي أن يُغَامِر بالمسلمين في طريق مجهول، وقد فكر السمح بن مالك الخولاني والي الأندلس ما بين عامي 100-102هـ على نحو جدي، وتقدَّم فاستولى على ولاية سبتمانيا إحدى المناطق الساحلية المطلَّة على البحر الأبيض المتوسط جنوب فرنسا، وعبر بذلك السَّمْح جبال البرانس، وتقدَّم فنزل في اراضي فرنسا وانعطف نحو نحو الغرب؛ حيث مجرى نهر الجارون، واستولى في طريقه على ما كل يقابله من البلدان، حتى وصل إلى تولوز في جنوب فرنسا التي لم يستطع أن يستقرَّ فيها طويلا، وقُتِلَ السَّمْحُ بن مالك، وتراجعت فلول جيشه تحت قيادة أحد قواده عبد الرحمن الغافقي فكأن السَّمْح لم ينجح إلاَّ في الاستيلاء على سبتمانيا».
النصر الكارثي:
قد يبدو هذا العنوان غريبًا على البعض منكم؛ لكن هذا في الحقيقة هو ما أثبته الواقع وشهد به التاريخ، ولقد فطن إلى هذا المعنى بعض المنصفين من مؤرخي أوربا، قال أناتول فرانس: “إن أهم تاريخ في حياة فرنسا هو معركة بواتيه -بلاط الشهداء- حين هَزَم شارل مارتل الفرسان العرب -المسلمين- في بواتيه سنة 732م، ففي ذلك التاريخ بدأ تراجع الحضارة العربية أمام الهمجية والبربرية الأوربية.