نشأته:
ولد عبد الرحمن بن أحمد بن مسعود الكواكبي في مدينه حلب لأسرة تعود في نسبها لآل البيت
وتمتاز بشرف آخر هو الاشتغال بالعلم, والاشتراك في الوظائف العمومية الحكومية, وبشكل خاص القضاء والافتاء والادارة.
توفيت والدة عبد الرحمن الكواكبي – عفيفة – وهو لم يتجاوز بعد الست سنوات فَعَهِدَ والده بتربيته إلى خالته صفيه, المقيمة في أنطاكيا,
وهي من الأشراف من عائلة النقيب, وكانت حاده الذكاء راجحة العقل وقد كان لها الأثر البالغ في تنشئة عبد الرحمن الكواكبي وصقل شخصيته.
تابع الكواكبي دراسته في المدرسة الكواكبية التي تشرف عليها أسرته, وكان له نصيب من اللغتين التركية العثمانية والفارسية, بعد العربية وعلومها والعلوم الاسلامية,
كما كان له اطلاع واسع من خلال التحصيل الشخصي على العلوم السياسة والفلسفة والقانون وسائر العلوم المتيسرة.
أعماله:
وكما شغل عبد الرحمن الكواكبي الكثير من الوظائف والمناصب الحكومية منذ أن كان في الثانية والعشرين من عمره.
ولقد أبلى بلاءً حسناً في الوظائف التي تولَّاها, وكان همه المصلحة العامة مما جلب له المتاعب,
وتجدر الاشارة إلى أن وظائف ومهام كثيرة كان يتولها كمناصب فخرية أي دون مقابل مالي تطوعاً
أما الوجهة الأخرى لعبد الرحمن الكواكبي فهي, مع العمل الخيري, صناعة الرأي العام,
ولذلك لم يجد افضل من الصحافة لهذا الهدف, والصحافة في زمانه كانت ابرز وسائل الاعلام.
فلقد أصدر جريدته الأولى (الشهباء) وكان العدد الأول يوم الخميس في 27 ربيع الثاني سنه 1994 هجري
وكان لها صدى واسع, لانها صدرت في مدينة حلب التي لم تعرف صحيفه قبلها.
ولما اوقفها الوالي العثماني عمد الكواكبي إلى إصدار جريدة أخرى هي (الاعتدال) وكان عددها الاول في 5 شعبان سنه 1296 وكان نصيبها المنع من الصدور كسابقتها,
عندها عمد الكواكبي إلى تصدير مقالاته لتنشرها صحف عصره كالنحلة, وثمرات الفنون, والجنان, والجوائب, والقاهرة, والمؤيد, والمنار.
إن هذا الاتجاه عند الكواكبي, والذي بدأه في ريعان الشباب, يدلل على وعيه بأهمية الإعلام والصحاف في الإصلاح ونشر المبادئ والتعبئة من أجل الثورة.
سياحته:
لقد رغب الكواكبي في الوقوف على حقيقة حالة البلاد والعباد, ولهذه الغاية قصد اسطنبول في عام 1312 هجري وهناك انزوى يراجع, ولم يريد الاتصال بأحد,
لكن يبدو أن السلطان عبد الحميد علم به فأمر أبا الهدى الصيادي باستضافته رغم ما كان هذا الأخير يدبره من مكائد للكواكبي ولأمثاله,
ولكنه عاد بعدها إلى حلب وتولى بعض الوظائف في القضاء خاصة إلى أن كانت مغادرته من حلب إلى القاهرة
وكانت له بعدها سياحة للسنتين في السودان و سواحل إفريقيا الشرقية وسواحل آسيا الغربية
وبعدها عاد الى القاهرة في 16 محرم سنه 1318 هجري يرافقه ابنه كاظم,
و كان ينوي رحلة إلى المغرب العربي يبدأها من تونس مع صديقه عبد العزيز الثعالبي,
كما تبيَّن من رسالة بعث بها إليه في 24 محرم سنة 1320 هجري لكن المنية وافته قبل ان يقوم بهذه الرحلة.
نهاية مسيرة حياته:
مات عبد الرحمن الكواكبي مسموماً في القاهرة يوم الجمعة في 6 ربيع الاول سنه 1320 هجري
وقد نعاه الإمام محمد رشيد رضا صاحب المنار بالكلمة التالية
((أُصيب الشرق بفقد رجل عظيم من رجال الإصلاح الإسلامي وعالم عامل من علماء العمران وحكيم من حكماء الاجتماع البشري,
ألا وهو السائح الشهير والرحالة الخبير السيد الشيخ عبد الرحمن الكواكبي الحلبي, مؤلف كتاب (طبائع الاستبداد) و صاحب سجل جمعيه (ام القرى) الملقب فيه بالسيد الفراتي, اختطفت المنية منا بغتةً هذا الفاضل الكريم والولي الحميم)).
كانت وفاته زمن الخديوي عباس حلمي الذي كان قد اكرم وُفَّادته سنوات إقامته في مصر,
وقد خصَّه بجنازة كبيرة وتم دفنه عند جبل المقطم حيث لا يزال قبره حتى الآن,
وقد نقش على قبره بيتان من الشعر لشاعر النيل حافظ ابراهيم هما:
هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى هنا خير مظلوم هنا خير كاتبِ
قفوا وقرؤوا أمَّ الكتاب وسلِّموا عليه فهذا القبر قبر الكواكبي
رحل عبد الرحمن الكواكبي من دنيانا تاركاً مشروعه الإصلاحي ومنهجه للعرب والمسلمين من أجل الخروج من واقعهم المزري,
في كتابين هما (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) و (أم القرى).
رحم الله الرجل المصلح عبد الرحمن الكواكبي.